سأل أحد الكتاب المبتدئين الفيلسوف السّاخر برنارد شو: لماذا تكتب؟
فأجاب برنارد شو: "من أجل المال".
فاستغرب الكاتب الشاب. وبقي مندهشا حتى أنقذه برنارد شو من دهشته. معيدا عليه نفس السؤال :
_وأنت لماذا تكتب؟
فأجاب الكاتب المبتدئ: "من أجل الأخلاق"
فارتسمت على شفتيْ برناردشو ابتسامته المعروفة وقال:
_" إيه كلّ واحد يكتب عن الشيء الذي ينقصه"
يعتقد كثير من الكتاب أنهم يكتبون من أجل تغيير العالم. أو هكذا يبدو الأمر لهم. خاصة في بداية حياتهم الأدبية والفكرية. ولكن هل يصّح هذا الاعتقاد ويبقى راسخا حتى نهاية مسيرتهم الأدبية؟هل يغيّر فعلا كاتب العالم؟ يحضرني هنا اعتراف الكاتب "جون غاهينو" الذي ألّف حوالي عشرين كتابا. منها "مذكرات رجل في الأربعين" "شباب فرنسا" "مذكرات ثورة 38/ 1936." "موت الآخرين" "رحلة مذكرات السنين الهالكة " "في السجن" "فرنسا والعالم "...
في مذكراته التي كتبها وقد بلغ من العمر 96 سنة. يعترف هذا الكاتب الذي اخذ على عاتقه تحرير الإنسان ومساعدته عن طريق كتاباته. يعترف بكل مرارة :
" لم أحرّر أحدا ".
في مذكراته يروي "جون غاهينو" أنه لمّا كان في العشرين من عمره، وعد نفسه بانّ عشر سنوات كافيه لتغيير العالم. ومرّت السنوات العشر والعشرون والثلاثون... وهو لم يغير شيئا. وإذا كان العالم قد تغيّر، فغصبا عنه وخارج إرادته. وربما ضدّه كما أصبح يعتقد. وقد استطاع أن يعترف وفي هذه السن أيضا: "لم أكن اعتقد كثيرا في حقيقة العالم حولي. ولم أكن اخذ الوقت الكافي لرؤيته. لم أكن أفكر الا في تغييره او إعادة تشكيله. ومرجعي الوحيد في ذلك هو أحلامي. لقد كنت مشغولا بتغيير العالم، أكثر من التعرّف عليه ".
على ان " غاهينو" كان متشبثا بالحياة ككل انسان. واذا كان كل انسان لا يريد ان يموت فان غاهينو كان يصرخ " لايجب ان اموت "وكان يحلم ككل كاتب أن يترك شخوص رواياته يخلدون اسمه كما ترك فلوبير"مدام بوفاري" وكما ترك ديستوفسكي "فرفارا بتروفنا"وستيفان تروفيموفتش.
كل أديب يحلم بتغيير العالم. ولكن الذي يحدث في كثير من الأحيان انه هو الذي يتغير. في البدء تكون الحميميّة والصدق والسريّة بين الأديب وكتاباته. ثم عندما يخرج الكتاب يجد الكاتب نفسه فجأة محلّ كل الأنظار. وكانه في غرفة كلها مرايا تبعث له بمئات الانعكاسات عن صورته. فيلاحظ ان بعض صوره تبدو للاخرين اكثر جمالا واكثر اغراء. افلا يحاول بعد ذلك ان يبرز هذه الصور اكثر عندما يبدأ في تأليف كتاب ثان ؟ ويظل في صراع بين رغبته في أن ينال اعجاب القراء وبين ان يبقى هو ذاته؟
وهذا يؤيده قول"رومان رولان "نحن نكتب أولا لأنفسنا ثم بعد ذلك نكتب لكل الناس"
نكتب أولا لأنفسنا لسدّ رغبة ضرورية وملحة. ثم بعد ذلك نكتب لكل الناس. ولكن من هم كلّ الناس؟
قد يتصور الأديب ان كل الناس يشبهونه- وهذا خطير- فتصبح كتاباته التي هي لكل الناس ليست الا كتابة لنفسه في حقيقة الأمر.
*حياة الرايس كاتبة تونسية تعيش في سويسرا