الكاتب: بثينة حمدان
الاغوار الشمالية -واثق-تنتظر الطالبة حنين بشارات في الباص المخصص لنقل الطلبة عند حاجز الحمراء وحواجز عديدة ينصبها الاحتلال بين قرى المالح والمضارب البدوية في الأغوار الشمالية، كما ينتظر مئات الطلبة للوصول إلى مدارسهم الواقعة خارج تجمعاتهم السكنية. ليال كثيرة تمضي ولا يتمكن معظم الطلبة من النوم جيداً ولا مراجعة دروسهم بسبب تناوبهم مع أفراد العائلة على مراقبة بيوتهم تحسباً لهجمات المستوطنين المدججين بالسلاح وتحت حماية جيش الاحتلال الإسرائيلي. قد يصل الطلبة لكن يتأخر المعلمين ساعة.. أو ساعتين.. أو أكثرـ وقد لا يصلون. فمعظمهم يأتون من خارج هذه القرى، أما حنين فقد تتمكن أحياناً من العودةإلى بيتها في خربة مكحول أو تضطر للمبيت في بيت جدها الكائن في مدينة طوباس.
يتأخر المعلم.. وقد لا يصل الطالب ...
قد تكون فلسطين البلد الوحيد الذي يتأخر فيه المعلم على طلبته وقد لا يصل الطالب إلى مدرسته، وذلك بسبب حواجز الاحتلال، هذا هو المشهد التعليمي في الأغوار الشمالية. حيث قال عزمي بلاونة مدير التربية والتعليم في منطقة طوباس والأغوار الشمالية للميادين نت: "لا يوجد مدارس في التجمعات السكنية والمضارب البدوية مثل الفارسية ومكحول وسمرة، وبسبب صعوبة التنقل بين القرى وتجمعاتها في الأغوار، وفّرت التربية والتعليم الفلسطينية حافلات حكومية وأخرى مستأجرة من أجل نقل الطلبة، يوجد مدرسة تخدم هذه التجمعات في قرية عين البيضاء فيها 700 طالب وطالبة في المرحلة الابتدائية، وهو رقم متغير لأن الكثير من الأهالي ينقلون أبناءهم معهم حين يضطرون للرحيل وفق ظروفهم، ويوجد في القرية أيضاً مكتب للتربية يخدم هذه التجمعات، أما في الأغوار الشمالية إجمالاً يوجد سبع مدارس فيها 1300 طالب وطالبة و130 من أعضاء الهيئة التدريسية والإدارية".
وحسب احصاءات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني للعام 2022-2023 بلغ عدد مدارس محافظة طوباس والأغوار الشمالي 53 مدرسة فيها 8500 طالب وطالبة ويعلّم فيها 864 معلماً ومعلمة.
وأضاف أن معظم المعلمين يأتون من طوباس ونابلس، ويضطرون يومياً لعبور حاجزي تياسير والحمراء مما يؤخر وصولهم، علماً أن حاجز تيساير مغلق حالياً، مما يؤخرهم أو يمنعهم من الوصول. مؤكداً أن الاحتلال يمنع القيام بأي أعمال بنية تحتية وإنشاءات في هذه المناطق، فمنع تجهيز شارع يوصل بمدرسة، وأوقف مشروع إنشاء مدرسة بتمويل فرنسي، حتى منع إضافة شادر –من قماش- أو لوح زينكو في المدارس، ويضاف إلى هذا كله الاعتداءات اليومية للمستوطنين على المدارس والطلبة والمعلمين.
وقال بلاونة إن "التربية عيّنت 50 معلماً ومعلمة ضمن برنامج التعليم المساند من سكان المنطقة، بحيث يتم استبدالهم في حال غيابهم لضمان استمرار التعليم حيث يتم تعويض الطلبة عن الحصص الضائعة خلال العطل الأسبوعية مع تعزيز مهاراتهم الأساسية التي تأثرت بسبب عدم انتظام الدراسة".
بين خوف العائلة والرغبة في الدراسة...
الطالبة حنين بشارات سنة ثانية إدارة عقارات في الجامعة العربية الأميركية في جنين من سكان خلة مكحول، تقضي معظم أوقاتها على الحواجز أو غائبة عن عائلتها، حيث تضطر كثيراً للمبيت في بيت جدها، تساعد أهلها في حلب أغنامهم المهددة وصناعة الجبنة البلدية، تحلم أن تنتهي كل هذه المشاكل وتستطيع التنقل بحرية. وتقول للميادين نت: "يعيش أهلي في قلق دائم علي من الطرق والحواجز، وأعيش أنا قلقي وخوفي الدائم على الأهل حين أكون خارج البلدة، خوفاً من تعرضهم للأذى من قبل المستوطنين والجيش".
يوسف بشارات والد حنين تحدث لنا عن صعوبة الحياة في خربة مكحول قائلاً: "نعيش بين أربع معسكرات ومستوطنات إسرائيلية، بيتي قرب الشارع الرئيسي، إذ قد يتوقف المستوطنين في أي وقت ويهاجمونا، فقدنا مراعينا وأراضينا الزراعية، كنا نحو خمسة وثلاثين عائلة، بقي منهم أربعة فقط، نعيش وأبنائي بنظام المناوبات لحراسة البيت، وهذا يهدد دراستهم ونموهم الطبيعي".
حصار الحواجز والاستيطان للتعليم ...
وأكد الناشط الميداني فارس الفقهاء من قرية عين البيضاء أن العملية التعليمية تعيش ظروفاً سيئة خاصة بعد حرب الإبادة على غزة، حيث تم تشديد الحواجز خاصة حاجزي تياسير والحمراء، بل وحرمان كامل من التنقل في كثير من الأحيان، ومع بداية شهر شباط/فبراير أغلق حاجز تياسير بشكل كامل وتوقف التعليم لمدة أسبوع، ثم حاول الطلبة والمعلمين الوصل إلى مدارسهم عبر حاجز الحمراء لتصبح المسافة أبعد بخمسة وعشرين كيلو وهذا زاد المسافة وضاعف التأخير".
ومن تجمع الفارسية الذي كان يضم عشرين عائلة بقي منهم ستة فقط وصف لنا لؤي علي زهدي الحياة فيها قائلاً: "أعيش هنا بشق الأنفس، نعمل بالزراعة وتربية المواشي لكننا اليوم لا نملك شيئاً منها، التعليم صفر حالياً، أقرب مدرسة علينا تبعد ستة كيلومترات، لكن الطلبة لا يستطيعون الوصول في أحيانٍ كثيرة". وأضاف: "لا مكان للأطفال للعب، حتى الحمام نصله بصعوبة بسبب المستوطنين الذي يرعون أغنامهم قربه".
أسوار المدرسة تزعجهم أيضاً! ...
لا يتوقف انتهاك القطاع التعليمي في هذه المناطق على الحواجز الخانقة والمغلقة أو أذى المستوطنين، بل تعداه إلى ساحات وأسوار المدرسة، في هذا السياق، يقول مصطفى بشارات مدير مدرسة ذكور طمون الأساسية العليا للميادين نت: "تتعرض البلدة لاجتياحات واقتحامات عديدة مما أدى إلى تعطيل التعليم فيها، ولعل أبرزها الاجتياح الموسع الذي استمر لسبعة أيام وذلك مع بداية الفصل الدراسي الثاني، فقد هدم الاحتلال أسوار المدرسة بطول 40 متر وبوابتين، وحين عدنا للمدرسة فوجئ الطلبة وعددهم 500 وتساءلوا عما يريده جيش الاحتلال من مدرستهم، وطبعاً هذا كان له أثر بالغ على نفسيتهم، فالاحتلال يحاول دوماً تدمير ما نبنيه في نفوس طلابنا، لقد فقدوا الأمان وحقهم في التعليم".
وأضاف أن قوات الاحتلال استهدفت المدرسة هذا العام خلال الفصلين الدراسيين، وحدث أحد الاجتياحات أثناء وجود الطلبة في المدرسة، في هذه الحالة نقوم بعملية طوارئ سريعة فنمنع الطلبة والمعلمين الخروج من صفوفهم وإغلاق النوافذ تحسباً لتأثير قنابل الغاز، كما يأتي واجبنا في ضرورة التفريغ النفسي للطلبة لما يتعرضون له من خوف، عدا عن قلق الأهالي، فهواتفنا في هذه اللحظات لا تصمت لطمأنتهم، كما أننا نضطر لطمأنتهم حتى عبر منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بالمدرسة".
تضم محافظة طوباس والأغوار الشمالية 11 قرية وتجمعاً يعيش فيها أكثر من 70 ألف فلسطيني، يوجد فيها 18 ما بين معسكرات وبئر استيطانية يعيش فيها نحو ثلاثة آلاف مُستوطن، ويفرض الاحتلال على هذه المناطق حوالى 41 حاجزاً، وما يصل إلى 235 ألف دونم من أراضي الأغوار الشمالية باتت مناطق مغلقة مخصصة لأغراض التدريب العسكري.