لقد أثبتت هذه الحرب العدوانية على قطاع غزة أن المنظومة القيمية الأخلاقية والإنسانية للعالم قد تهاوت أمام طغيان الجبروت الأسرائيلي الأمريكي. بل إن ذلك ينطبق كذلك على الكثير من الدول الأوروبية. وهذا يشير بوضوح أن الحضارة الأوروبية بقناعها الإنساني، وزيف وجهها السياسي الديموقراطي قم تكشفت على حقيقتها، حضارة بربرية يقوم جوهرها على شريعة الغاب.وأن كل شعارات الحرية وكرامة الفرد قد تساقطت أم جبروت المستعمرة الصهيونية التي أقامتها في فلسطين. فها هي المستعمرة الصهيونية تتجاوز كل ما يمكن أن يكون إنساني في حرب التجويع والإبادة ضد الشعب الفلسطيني، وكأنها تغرف من خليط ديني اسطوري يقوم على إبادة الشعب الفلسطيني، وسحق أدميته. فما قتل النساء والأطفال والشيوخ سوى دليلا قويا على انحطاط هذا التفكير إلى أبعد من وحشية حيوان الغاب.
وقد سقط كما أسلفنا في هذه الحرب كل منظومة القانون الدولي الإنساني التي تشدقت بها دول الغرب الديموقراطي والولايات المتحدة. فلم تحترم دولة الكيان الصهيوني نصوص اتفاقية لاهاي لسنة 1907م، ولا احترمت اتفاقيات جنيف الأربعة فيما يتعلق بمعاملة المدنيين خلال الحرب. كما أنها تجاوزت وسحقت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948م الذي بات الكثير من فقهاء القانون الدولي يعتبرونه بمثابة عرف قانوني دولي، أي يستوجب الاحترام والتطبيق. كما تم تجاوز كل الاتفاقيات اللاحقة التي تتمثل في العهدين السياسي والمدني، والاقتصادي والاجتماعي لسنة 1966، أو حتى البروتوكولات الملحقه بهما لسنة 1974م. وتم سحق أيضا اتفاقيات الحماية المتعلقة بالمرأة والطفولة وذوي الاحتياجات الخاصة.
وهذا في جانب الإطار النظري للمنظومة القانونية الإنسانية، ولكن أيضا هذه الحرب أثبتت ضعف وعجز كل المؤسسات الدولية التي تسعى لتطبيق قواعد القانون الدولي ابتداء من مؤسسات الأمم المتحدة إلى المنظمات الأخرى مثل منظمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية وغيرها. فما صدر منها من قرارات لم يجد طريقه للتطبيق أمام الجبروت الأمريكي والاسرائيلي، حيث استطاعت الولايات المتحدة بقوتها ونفوذها من تحييد كل قرار دولي في مجلس الأمن أو من قبل المنظمات الدولية.
صحيح أن منظمات حقوق الإنسان الدولية لا تملك جيوش لتطبيق قراراتها وتوصيات لجان تحقيقها ولكنها كانت دوما تتشدق أن العالم الديموقراطي يمثل حالة إنسانية حضارية ترفع شعارات الديموقراطية وحقوق الإنسان في العالم. وأن الرجل الأبيض هو رسول حضارة إنسانية عالمية. وسقطت كل الشعارات والمؤتمرات والمناهج التي حاولت دول الديموقراطية الأوروبية فرضها على العالم تحت خطى استعمارها التقليدي في القرون السابقة أو تحت مظلة العولمة في العقود السابقة.
إن الحرب على قطاع غزة، وإبادة الشعب الفلسطيني في حرب مسعورة مستمرة قد أسقط أيضا منظومة القيم الدينية التي تتشدق بها دولة الفاتيكان، وما تتمتع به من نفوذ روحي ديني في العالم.
وهنا نقول إذا لم يجد نفعا تطبيق منظومة حقوق الإنسان على الشعب الفلسطيني فهل يمكن أن يجدي تطبيق منظومة حقوق الحيوان. فأيضا أوروبا والولايات المتحدة تتشدق بهذه المنظومة، وتتباكى على حقوق الحيوان في العالم، وأقامت لها المؤسسات وعقدت معاهدات الحماية، ونظمت
المؤتمرات. فما تتمتع به الحيوانات في أوروبا يفوق ما يتمتع به الشعب الفلسطيني في حرب الإبادة التي يتعرض لها. فعلى الأقل لا تباد ولا تجوع الحيوانات هناك. وهناك اقسام من مولات المواد الغذائية مخصصة لغذاء الحيوان، وهناك محلات لبيع الملابس لها، ومحلات قص الشعر. والأهم من ذلك عيادات ومستشفيات خاصة بالحيوانات، وفنادق واستراحات وغيرها ممن لا يتوفر للشعب الفلسطيني الذي يتعرض للتجويع حتى الموت. وتتعرض مؤسسات الطبية للتدمير المنهجي.
فهل يمكن والشعب الفلسطيني لم ينل حظوة الاعتراف به ضمن منظومة حقوق الانسان، وتم سحق أدميته وإنسانيته أن يتم بالاعتراف به ضمن منظومة حقوق الحيوان. وبالتالي ندخل هنا في حماية معاهدات حقوق الحيوان. فطالما قد اعتبرنا وزير الدفاع الاسرائيلي السابق يوأف غالانت أن السكان في غزة " حيوانات بشرية"، فهل يمكن أن تطبق علينا هذه الاتفاقيات ومنع حرب الإبادة والتجويع لنا باعتبارنا حيوانات لم نصل لمرتبة البشر في قانون التطور الإسرائيلي، فما تتمتع به الكلاب في أوروبا والولايات المتحدة يفوق ما نتمتع به نحن في قطاع غزة. هذا على أساس الإنسان في غزة، فما بالك بحيوانات غزة التي تباد مع الإنسان، وتتحول إلى أشلاء في كل مكان.
وحتى لو افترضنا أيضا للأسف أن منظومة حقوق الحيوان لن نحظى بها في ظل هذه البربرية الغاشمة، والوحشية، وشريعة الغاب. فقد يتبق لنا سوى سبيل واحد نطرقه، وهو المطالبة بتطبيق معاهدات واتفاقيات حماية الأنواع الإنسانية والحيوانية والحشراتية من الانقراض. فهناك سعي من دول التحضر الأوروأمريكي لحماية الأنواع التي على الأرض من الانقراض، وتسعى إلى حمايتها في محميات طبيعية من أجل إتاحة الفرصة أمامها للتكاثر خشية الانقراض. وحيث أننا نوع إنساني وحتى حيواني وربما كما قال بعض الحاخامات اليهود بأننا حشرات مثل الصراصير يجب سحقها، أي تنطبق علينا صفة الحشرات، وبذلك ندخل ضمن منظومة حماية الحشرات المهددة بالانقراض، فنحن نطالب مجتمع التحضر الدولي أن يعلن قطاع غزة محمية طبيعية من خطر الإبادة للنوع الموجود بها من الانقراض، ولا ضير في ذلك أكانت المحمية إنسانية، أو حيوانية، أو حشراتية، أو حتى نباتية. المهم في الأمر أخيرا وقف حرب الإبادة التي تتم في قطاع غزة على مرأى العالم الذي يتشدق بالتحضر والديموقراطية، وحقوق الإنسان، وحقوق الحيوان، وحقوق حماية الأنواع المهددة بالانقراض.