كتب: واصل الخطيب
تشكل الحرب المستمرة على مخيمات شمال الضفة الغربية علامة فارقة في تاريخ الصراع مع اسرائيل . فالحرب الان هي على قضية اللاجئين برمتها وليس استهداف التنظيمات المسلحة كما تدعي دولة الاحتلال . فلو كان الامر كذلك لقضي الامر بإنتهاء وجود المسلحين في كل من مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس . الا ان العمليات العسكرية مازالت مستمرة رغم تمكن جيش الاحتلال من قتل او اعتقال المطلوبين لديه فيما بقي نفر قليل مطارد في الجبال وتبحث عنهم الطائرات الاستطلاعية ليل نهار في مسعى لاعتقالهم او تصفيتهم . اذا العملية العسكرية التي كان الهدف المعلن عنها القضاء على بؤر المقاومة انتهت بإنتهاء وجود المظاهر المسلحة ولا ادل على ذلك من عدم وجود مقاومة حقيقية لقوات الاحتلال في المخيمات المذكورة ما يعني ان كل من كان يحمل السلاح قد تلاشى عن المشهد كليا .
هذا بحد ذاته دليل قطعي على ان اسرائيل ترمي من وراء عملياتها العسكرية الى تصفية قضية اللاجئين من خلال طمس المعالم الرمزية لحالة اللجوء والمتمثلة بالمخيم هذا من جانب ومن جانب آخر فإن منطقة شمال الضفة تشكل محط اطماع دولة الاحتلال من ناحية دينية اذ تعتبر العقيدة اليهودية ان هذه البقعة من الارض " يهودا والسامرة" هي عطية الله لشعب اسرائيل وبالتالي يجب استرجاعها من بين ايدي الفلسطينيين "الغاصبين" . ومن المخيمات انطلقت اسرائيل لتنفيذ مخططها على ارض الواقع وهو اعادة السيطرة على معظم اراضي الضفة والتي تصنف وفق اتفاق اوسلو البائد مناطق "سي" وايضا دمج المخيمات بالمدن المجاورة مثل جنين وطولكرم كنموذج لكل مخيمات الضفة . وفي موازاة ذلك بناء عشرات الالاف من الوحدات الاستيطانية الجديدة وتوسيع القائم منها ورفع عدد المستوطنين في الضفة من اكثر من 700 الف مستوطن الى مليون و200 الف وفق ما علن سموتريتش مؤخرا ، وذلك في اطار المعركة الديمغرافية التي تخوضها اسرائيل مع الشعب الفلسطيني بالتوازي مع الحرب الدموية وعمليات التطهير العرقي والابادة الجماعية وخاصة في غزة .
ومن نافل القول ان اسرائيل تخوض الان حربا على عدة جبهات الاولى في قطاع غزة والثانية في الضفة والثالثة في جنوب لبنان والرابعة في سوريا والخامسة في اليمن والسادسة مع ايران . وتفسير ذلك ليس القضاء على الخلايا المسلحة كما يرى البعض وليس القضاء على "حماس" او منظمة التحرير وانما تصفية القضية الفلسطينية برمتها واعادة رسم وهيكلة منطقة المشرق العربي " الجديد" بما يؤدي الى توسيع حدودو ونفوذ دولة الاحتلال واقامة علاقات تطبيعية مع غالبية الدول العربية والاسلامية وفي مقدمتها السعودية .
ان المخيمات في الضفة الغربية كانت ومازالت نقطة الانطلاق نحو تحقيق الحلم الصهيوني بإقامة دولة اسرائيل الكبرى وشطب الوجود الفلسطيني من خلال انهاء قضيته من فوهة البندقية بعد ان عجزت السياسة بالمفهوم والمعنى الاسرائيلي لتحقيق ذلك . لكن المخيمات هي التعبير الرمزي المكثف عن قضية اللاجئين اما الحقيقة فهي تكمن في القضية ذاتها التي لم يتم حلها حلا عادلا وفق قرارات الشرعية الدولية بعد 77 سنة من النكبة التي دفع خلالها شعبنا مئات الاف الضحايا بين شهداء واسرى وجرحى ومازال النضال مستمرا وسيبقى طالما ان الاحتلال لم ينته والشعب الفلسطيني لم ينل حقوقه العادلة وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير واقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس .