سمعتك في الغرفة الأخرى تسأل والدتك "ماما، هل أنا فلسطيني؟" عندما ردت "نعم" سقط صمت ثقيل على البيت بأكمله ، كان الوضع كأن شيئا معلقا فوق رؤوسنا قد وقع ، وأنفجر صوته ، ثم _ الصمت ، فيما بعد ، سمعتك تبكي لم أستطيع أن أتحرك ، كان هناك شيء أكبر من إدراكي يولد في الغرفة الأخرى من خلال نحيبك المرتبك ، كأن مشرطا مقدسا كان يقطع صدرك ويضع هناك القلب الذي يخصك ، لم أكن أستطيع أن أتحرك كي أرى ما الذي يحدث في الغرفة الأخرى ، كنت أعرف مع ذلك أن الوطن البعيد كان يولد مرة أخرى : الجبال ، حقول الزيتون ، الأشخاص الميتين ، رايات ممزقة وأخرى مطوية ، كلهم يقطعون طريقهم إلى مستقبل من لحم ودم ويولدون في قلب طفل أخر ، هل تصدق أن الرجل يكبر؟ لا ، هو يولد فجأة - كلمة ، لحظة ، تخترق قلبه الى نبض جديد ، مشهد واحد يمكن أن يلقي بيه من سقف الطفولة إلى وعورة الطريق ..
من خطاب كتبه غسان كنفاني الى أبنه
ولد الكاتب في عكا عام 1936 وأغتيل في بيروت مع أبنة أخته الطفلة لميس يوم 8 يونيو / حزيران 1972