الكاتبة : بثينة حمدان
تحاكي سلسلة هذه المقالات المخصصة لموقع "ضفة ثالثة" سيرة حياة وإبداع وأثر الشخصيات التي استشهدت تحت وطأة حرب الإبادة في قطاع غزة من الفاعلين في حقول الأدب والفن والتراث وأعضاء وموظفي المراكز الثقافية. نحكي عن خسارة رحيلهم وفقدان أعمدة ومكونات المشهد الثقافي والإبداعي في غزة، منهم من كان قد بدأ رحلة إبداعه للتو ومنهم من له تاريخ من الإنجاز والتأثير.
كم قاسيًا أن يحرمك جسدك من نعمة الأمومة والأبوة، وأن يختار لك القدر أن تحيا بلا أطفال من رحمك ودمك، وهم من نعم الحياة وحلوها وزينتها. في هذا الجزء أبدأ من إحدى الناشطات في حقل الثقافة وهي ميسون جمال، من مركز يافا الشبابي في خان يونس، والتي نطقتها وقالت لي مع بداية الإبادة: "الحمد لله أن ليس لدي أطفال". رغم الحلم الكبير الذي عاشته في أن تكون أمًا، لكن قسوة القتل واستهداف الأطفال كان أكبر من طاقة الكبار، فقد وصل الأمر إلى مقتل 4 أطفال كل ساعة في غزة بحسب إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (نيسان/ أبريل 2024).
ومن بين 17945 شهيدًا من الأطفال، فقد عدد كبير منهم ذاكرتهم ومكانهم وعائلاتهم بل ومسح الكثير منها من السجل المدني، لكل طفل حكاية وحلم وموهبة وسؤال ذكي واستدراكي يقوده لعقل أكبر فأكبر فأكبر ... لكن رغم القتل الإسرائيلي المتعمد والذي وصفه القانون والإعلام والمحاكم الدولية بأنه "إبادة"، فقد ولد في غزة خلال الإبادة 50 ألف طفل بحسب ما أعلنته منظمة إنقاذ الطفل الدولية منتصف العام الماضي، وكانت ولاداتهم في ظروف "مهينة وصعبة وغير نظيفة ولم يحصلوا على الخدمات الصحية الأساسية".
وجع الأطفال كبير ولا يُقاس. أذكر في أحد الأيام تواصل معي الصديق والناشط محمد عبيد مدير فرقة العنقاء للفنون الشعبية ومدرب فرقة "تشامبيونز " للدبكة في غزة، اتصل بي أثناء جولته على طلبة الدبكة الأطفال وطلب مني التحدث مع إحداهن، ولكنه نبهني أنها لا تعلم أن "إحدى زميلاتها في الدبكة ما زالت تحت الأنقاض"، وكان علي أن أتحدث معها وأشجعها وما زال ناقوس الجملة الأخيرة يترد في أذني وقلبي وخاصرتي!!!
وخلال عملية التوثيق لشهداء الإبادة في القطاع الثقافي والفني، توقفت عند بعض الأطفال الذين استشهدوا ولم أستطع كتابة أكثر من سطر واحد من سيرتهم وحياتهم وأحلامهم، فالسيرة تتعلق بما درسوه وحققوه وأبرز إنتاجهم الفني والثقافي، وكي نصل لمرحلة الإنتاج لا بد من أن يتخطى الطفل طفولته ومراحل عمرية مختلفة، لكنه لم يتخط في غزة عتبة بيته أو حارته، وإن ابتعد فيكون نازحًا في عمرِ لا يتسع للنزوح ولا لكل هذا الوجع. بحثت عن صورهم بصعوبة، فمن يحتفظ بصورهم وأولى خطواتهم سوى ذويهم، وأين نجد ذويهم حين تُباد عائلة بأكملها أو معظمها.
كنت أعزي نفسي فأقول: "وهل للأطفال من سيرة فنية أو ثقافية تُكتب!؟" إن ما كانوا سيقدمونه أكثر بكثير مما عاشوه. سيرتهم الحقيقية بأنهم أطفال استشهدوا!
في هذا الجزء أرغب في أن أقدم اعتذاري عن حكايات تسعة أطفال قمت بتوثيقهم ممن برعوا في مجالات الثقافة والفنون واستشهدوا قبل أن يبدؤوا. أعتذر عن اقتضاب سيرهم واقتضاب عمرهم قسرًا واقتضاب حبهم لكل شيء تاقوا إليه ولم يكملوا المشوار، وعن اقتضاب أحلامهم ووضعها في خانة الغيبيات، وما أكبرها أحلام الأطفال، ربما يكون التأمل في صورهم أكثر بلاغة من قلم كاتبة!
الطفل الفنان غازي محمد أبو رمضان :
استشهد في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 ووالده متأثرين بإصابتهما جراء قصف الاحتلال لمنطقة المواصي غرب خان يونس، وهو من أشبال فرقة شمس الكرامة للثقافة والفنون.
التوأمان آيات وجنات أبو محرم :
استشهدتا في 4 كانون الأول/ ديسمبر 2023 مع والديهما وإخوتهما علاء وبراء وآلاء، وهما من فرقة أصايل وطن للفنون.
طالبة الكمنجة لبنى محمود عليان :
استشهدت عن عمر 15 عامًا في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 مع أكثر من خمسين فردًا من عائلتها. تحب الموسيقى وهي طالبة الكمنجة المتميزة في معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى فرع غزة. كانت تغني وتعزف للفرح والحياة، وترى الموسيقى في مستقبلها بل هي وسيلتها لتمثّل أهلها وبلدها في الأوركسترات الفلسطينية والعربية والعالمية.
الفنانة تالا إياد أحمد بعلوشة:
استشهدت عن عمر 16 عامًا في 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 مع والدتها بعد أن رثت عائلتها التي استشهدت خلال القصف. هي من دير البلح، كتب عنها أصدقائها أنها كانت تمتلك متجرًا للملابس، كما أنها عضو في فرقة أصايل وطن للدبكة الشعبية.
التوأمان آيات وجنات أبو محرم :
استشهدت شام أبو عبيد (7 سنوات) في 15 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 مع والدتها وعدد كبير من عائلتها، وهي من محافظة دير البلح، وعضو في فرقة تشامبيونز للدبكة الفلسطينية في قطاع غزة.
الطفلة ليلى عبد الفتاح الأطرش من فرقة تشامبيونز :
استشهدت عن عمر 8 سنوات في 15 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 مع عائلتها، وبقوا تحت الركام، وهي عضو في فرقة تشامبيونز للدبكة الشعبية.
بسملة مروان محمد أبو راضي :
استشهدت في 22 حزيران/ يونيو 2024، وهي من مواليد عام 2005 وهي عضو في أرضنا للثقافة والفنون.
الفنانة شهد أرسلان خالد بسيسو :
استشهدت شهد (16 عامًا) في 19 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 مع أخيها وائل (21 عامًا) وعشرين من أقربائها الذين كانوا يحتمون في بيت جدها، وهي من أكاديمية تشامبيونز للدبكة، وكانت طالبة في الثانوية العامة وتحلم بدراسة الهندسة.
(*) كاتبة وإعلامية فلسطينية ومختصة في السياسات الثقافية، لاجئة من قرية عنابة المدمرة عام 1948 مقيمة في رام الله، لديها عدة إصدارات والعديد من النصوص الأدبية والإعلامية والأبحاث والأوراق الثقافية والسياسية والحقوقية.